تحدثنا في المرة السابقة عن شرح التعليم الذي
يتم ترويجه اليوم في كنيستنا على انه تعليم الاباء فيما يخص عقيدة الفداء وذكرنا
انه في الحقيقية تعليم غربي حديث يحاول البعض اختراق كنيستنا به وتحريف عقيدة
الفداء كما تسلمتها وعلمت به الكنيسة على مدار تاريخها .
نستكمل اليوم شرح لبعض النظريات الخاصة
بالفداء حتى تتضح لنا الصورة ونعرف الاراء المختلفة والتطور الذي حدث في الفكر
المسيحي بخصوص عقيدة الفداء لدى البعض
وقد ظهرت عدة نظريات خاصة بالفداء على مدار
التاريخ ولكننا سنركز على اهم هذه النظريات سريعا واهم ما يميزها
اولا
نظرية الفدية
انتشرت هذه النظرية في القرون الأولى للكنيسة
وتقول بان كفارة المسيح هي انتصار على قوة الشر وانتصار على الشيطان وأيضا ان
السيد المسيح قد مات ليدفع فدية للشيطان ليخلص البشر ويكون الصليب هو ثمن دفع
للشيطان مقابل خلاص البشر التي كانت تحت سلطان ابليس .
وتقول أيضا ان الشيطان كان يعتقد يظن انه
يستطيع ان يمسك المسيح بعد موته كالاخرين
ولكن بقيامة المسيح اثبت انه ليس مثل الآخرين وانتصر المسيح بقيامته على قوة الشر
وخلص البشر من قبضة ابليس .
انتشرت هذه النظرية كما ذكرنا في القرون
الاولى وكان اهم من روج لها هو العلامة اوريجانوس وغريغوريس النيصي وقد عارضها بعض الاباء كالقديس اثناسيوس
والقديس اغريغوريس النيزانزي والحقيقة ان التعليم بان السيد المسيح قدم حياته على
الصليب فديه عن البشر استمر عند كثير من الاباء مثل القديس اثناسيوس نفسه ولكن
الرفض كان على ان السيد المسيح قدم نفسه فدية للشيطان فكيف يسلم السيد المسيح نفسه
للشيطان ؟! وهذا ما رفضته الكنيسة .
ثانيا نظرية الترضية ( الاسقف انسلم )
ظهرت هذه النظرية في القرن الحادي عشر على يد
انسلم رئيس اساقفة كانتربري
وتقول نظريته
ان كفارة المسيح قدمت للأب كتعويض وترضيه له
عن خطية الإنسان وان موت المسيح قد أرضى كرامة الأب الجريحة وبما ان الخطية كانت
موجهه ضد الله فقط كان ينبغي ان تقدم ترضيه كافيه عن خطية الإنسان وبالتالي تسجد
الله وكان تركيز أنسلم في نظريته ان كفارة المسيح هي ترضية للأب عن كرامته الجريحة
نتيجة خطية الإنسان وان موت المسيح عن البشر كان لهذا الهدف وقد كتب هذه النظرية في كتابه ( لماذا تسجد
الله ) وقد تأثر انسلم في هذه النظرية بالنظرة الإقطاعية التي كانت موجودة في عصره
كما ركز في كل نظريته على الجانب القضائي للفداء وأهمل باقي جوانب الفداء الأخرى
الي جانب ان نظريته اختصرت كفارة المسيح على انها ترضيه للأب وكرامته الجريحة وفي
الحقيقة هذه النظرة هي نظرة مشوهه لفداء السيد المسيح فالفداء والكفارة لم تكن
لارضاء كرامة الله الجريحة او ترضيه له عن خطية الإنسان نحوه ولكنها كانت استيفاء
للعدل الالهي ورفع حكم الموت كما سنشرح فيما بعد بنعمة المسيح .
ثالثا نظرية التاثير الاخلاقي
ظهرت هذه النظرية كرد فعل على نظرية انسلم التي
انتشرت في الكنيسة الكاثوليكية بشدة وتم الترويج لها من قبل بيتر ابيلارد وهو
فيلسوف لاهوتي ( القرن ) وعلم بنظريته والتي كانت ضد نظرية انسلم من ان موت المسيح
لم يكن تسديد لدين او ترضية للأب كما قال وعلم انسلم ولم تكن لارضاء كرامة الله
الجريحة وانما استعراض لمحبة الله وبالتالي يجب على الإنسان ان يبادل الله بنفس
هذه الحب .
كما تقول هذه النظرية ان الخطية كانت خاصة
بالانسان وهي مشكلة الإنسان وليست مشكلة الله وان الله محبة والصليب كان محبة
والفداء استعراض محبة ولا وجود لمفاهيم العدل الالهي او الموت النيابي عن البشر او
العقوبة في هذه النظرية فقط محبة الله هي كل شئ !
وانتشرت هذه النظرية وظهرت في امريكا في
القرن التاسع عشر ويعلم بها اليوم كثير من الروس المحدثين ونجد ان كثير ممن ذهب
ليدرس في الخارج علم اللاهوت يتأثر بهذا الفكر جدا ويعتقنه ويعلم به .
رابعا نظرية البدلية العقابية
تقول هذه النظرية ان السيد المسيح بموته تحمل
العقوبة العادلة عن خطايا البشر وصار كنائب للإنسان وان الخطية هي تعدي على شريعة
الله بشكل رئيسي وقد دفع السيد المسيح بموته ثمن عقوبة البشر التي يتطلبها العدل
الالهي وان الخطية هي تعدي نحو الله وكسر
لشريعة الله .
ونظرية ألبدليه هي جانب رئيسي من جوانب
الفداء موجود في تعليم الكنيسة منذ القرون الاولى كما سنشرح فيما بعد .
وبالطبع ليست هذه النظريات الاربعة هي فقط
نظريات الفداء ولكن هناك نظريات اخرى حديثة ظهرت
مثل النظرية الحكومية ونظرية المصالحة ونظرية نظرية التلخيص او النظرية
التمثلية ولكننا ناقشنا هذه النظريات الاربعة لانها تكشف لنا التطور التاريخي
للفكر والتعليم في قضية الفداء والكفارة
ولنا ملاحظة بسيطة عن هذه النظريات التي ربما
بعضها يحمل افكار غير صحيحة والبعض يحمل افكار صحيحة نحو الفداء ولكنه يتجاهل
جوانب اخرى هامة في فداء المسيح
فعقيدة الكنيسة ليست مجرد نظريات جامدة او
افكار ثابته نحو الفداء
فعقيدة الكنيسة عقيدة راسخة شاملة جامعة
مصدرها الكتاب المقدس في المقام الاولى بعهديه وأيضا تعليم الكنيسة والذي استقر
فيها منذ قرون طويلة .
عقيدة الكنيسة في الفداء والكفارة تشمل جوانب
متعددة وأوجه كثيرة فقصة الخلاص هي قصة الإنسان مع الله منذ خلقته والي مجيئه الثاني ومن
الصعب ان نحصره في نظرة ضيقة تقول ان الصليب ترضيه للأب هذه النظرية القضائية
الجامدة وان الصليب محبة فقط هذه النظرة التي تتجاهل عدل الله وقداسته وبره
وتتجاهل عمل الله العظيم لفداء البشر وخلاص الإنسان وتميعه بالقول ان الفداء محبة
فقط !
عقيدة كنيستنا في الفداء ليست نظريات ولكنه
ايمان قائم على الكتاب المقدس وتعاليم الآباء
ايمان معاش في الليتورجيا في الصلوات والطقوس
ايمان تسلمته الكنيسة وسلمته على مدار
تاريخها
ايمان يشمل جوانب بعض هذه النظريات ولكنه لا
يكتفي بنظرية واحدة لان من المستحيل ان نحصر عمل المسيح الخلاصي في نظرية بجانب
واحد
فإيمان الكنيسة في الفداء
يشمل الجانب القانوني فالمسيح مات ليرفع حكم
الموت
فيه المحبة هي الدافع والمحرك
فيه المسيح مات عنا او عوضا عنا كما علم الاباء
فيه المسيح قدم نفسه فدية للأب عن حياة
العالم وانتصر فيه على قوة الشر
وفيه غلب المسيح الموت بموته على الصيب
وقيامته
وفيه جدد الله الطبيعة البشرية
وفيه دفع ثمن خطايانا على الصليب
وفيه تم استيفاء العدل الإلهي عندما مات
المسيح عن الخطاة ونفذ حكم الموت الذي استحقه الإنسان بعد السقوط
وفيه اعلنت محبة الله الفائقة للبشر حتى بذل
ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به
وهكذا ايمان كنيستنا من الظلم ان نحصره في
نظرية معينة
وايضا من الظلم ان نتهم كنيستنا انها تتبنى
تعليم انسلم او تعليم غربي
ومن الظلم ان ناخذ جانب من تعليم الكنيسة
وندعي انه هو كل تعليمها ونتجاهل النظرة الشاملة للفداء
ايمان كنيستنا ليس نظريات ولكنه ايمان معاش
ثابت راسخ .
نستكمل حديثنا في المرة القادمة ونرد هل
ايمان كنيستنا هو ايمان انسلم ؟
الجزء الاول
نظريات الفداء والترويج للتعليم الغربي 1
http://orsoxozi.blogspot.com.eg/2016/09/1.html
الجزء الاول
نظريات الفداء والترويج للتعليم الغربي 1
http://orsoxozi.blogspot.com.eg/2016/09/1.html
عصام نسيم