البروتستانتية والثمار المرة !
يقول رب المجد من ثمارهم تعرفونهم ( 7 :16 ) لذلك نستطيع أن نحكم على أي فكر او عقيدة او مبادئ من خلال الثمار وتحقيق الأهداف التي من أجلها قامت.
ومن هنا نستطيع أن نرى بعد حوالي خمسة قرون من ظهور الحركة البروتستانتية في أوربا وتأثيرها على المسيحية عموما وبلاد الغرب التي نشأت فيها خصوصاً وأصبحت شعوبها تعتنق فكرها الأتي .
أولا أوربا
أوربا بالطيع نشأت الحركة البروتستانتية في أوربا في القرن السادس عشر كرد فعل وتمرد على بعض ممارسات الكنيسة الكاثوليكية وبعض البدع التي تسللت إليها وكان زعيم حركة التمرد هذه هو مارتن لوثر الذي كان راهب وترك الرهينة وتزوج وانضم إليه جون كلفن والذي ترك لوثر وصنع لنفسه طائفة بعد فترة قليلة . ونجد أن الحركة البروتستانتية بعد ظهورها لم تخلو من العنف والعنف المضاد بين الطائفة الجديدة في الظهور وبين الكنيسة الكاثوليكية لما لها من تاريخ ونفوذ وسلطة والتي كانت تنظر الي الطائفة الجديدة انهم جماعة مبتدعين منشقين عن الكنيسة الرسولية وتعاليمها !
وانضم كثيرين إلي حركة التمرد او بقيادة لوثر وقامت الحروب بين الكاثوليك و البروتستانت في المانيا ومناطق عدة في أوربا و لعل أشهرها حرب الثلاثين عام والتي راح ضحيتها مئات الآلاف وتعد الحرب الأكثر تدميرا حتى الحروب العالمية الأولى !!!
واستمر الصراع بين الكنيسة الكاثوليكية والطائفة البروتستانتية لعدة قرون .
. ورغم ذلك لا نقدر ان ننكر بعض جهود الحركة من ترجمات للكتاب المقدس من اللغات الاصلية وخصوصا بعد اختراع المطبعة على يد يوهان جونتبرج في المانيا وتم ترجمتها للغات الأصلية للبلاد بعد ان كان لا يترجم إلا للغة اللاتينية
اما عن لوثر وتمرده على الكنيسة و تعاليمها وعقيدتها وبدأ في تأسيس فكر خاص وجديد يعتمد اعتماد كلي على الإنجيل او لنقل حسب تفكيره الخاص للإنجيل وينكر الاسرار والعقائد والطقوس ورغم أن لوثر لم ينكر الاسرار كلها ولكنه وضع المبدأ للانقسام والتمرد على تعاليم الكنيسة الرسولية ووضع الأساس للتفسير الشخصي والذاتي للإنجيل والتمرد على تعليم الكنيسة الاصيل ! وكان يمكن للوثر ان يرجع لتعاليم الكنيسة الجامعة ويترك ما تسلل الي الكنيسة الكاثوليكية من ممارسات وامور غير صحيحة ولكن لأن الذات والتمرد كان الدافع وليس الإصلاح والرغبة للعودة لتعليم الكنيسة الأولى فكانت النتيجة ثمار مرة ومزيد من الانقسامات والانشقاقات !
وانشق البروتستانت وتقاتلوا مع الكاثوليك لقرون وبدأت البروتستانتية تغزو أوربا بدءا من ألمانيا ثم انتقلت الي أمريكا الأرض الجديدة والتي وجد فيها البروتستانت أرض موعد بعيد عن المضايقات والعنف مع الكاثوليكية ونمت الحركة جدا هناك حتى أصبحت هي الديانة الأولى هناك ولكن لأن الدافع من الأساس ليس الإصلاح ولكنها الذات والرغبة في التمرد جنت الحركة ما زرعته ودب الانقسام فيها وخرجت من الحركة الأم مئات الحركات والطوائف والملل لكل منها فكره وإيمانه وممارسته .!!
وكان الانقسام واضح بشدة في أمريكا حيث الحرية وعدم الرضوخ لأي مرجعية او أساس تعليمي كنسي سليم .
ومع ظهور الحركة ظهرت النهضة الصناعية وتراجع دور الدين خصوصاً في أوربا , وبدأ الدين يتراجع وبدأ الإلحاد يتسلل لهذه البلدان وبدأت الحركة البروتستانتية أضعف من أن تواجه التيار الجديد وكان الملاذ لها هو الخروج والكرازة في دول اخرى بعد ان فشلوا في الحفاظ على الايمان في بلادهم !!!
وبداوا الانتشار في دول اخرى خاصة دول الشرق الاوسط وافريقيا والعجيب انهم كانوا يذهبوا الي بلاد اهلها مسيحيين اصلا ليضموهم الي كنيستهم ويقتنسوهم من كنيستهم الاصلية الي الطائفة البروتستانتية الجديدة مثلما حدث في مصر في منتصف القرن التاسع عشر !
وكانت نظرة المبشرين الي الاقباط في مصر مثلا انهم غير مسيحيين مثل باقي المسيحيين ولكنهم ضلوا الايمان الصحيح !!!
اما عن تاريخ الحركة فاستمرت الحركة تنمو في اماكن مختلفة وبدأت تخرج من الحركة حركات ومن الطائفة طوائف وشيع كثيرة حتى وصل الأمر لملل تنكر لاهوت المسيح مثل شهود يهوه والادفنتست بل ووصل الامر لبعض الطوائف ان تحرف في ترجمة الكتاب المقدس ليتناسب مع فكرها المنحرف وتعليمها الخاطئ ! وطوائف اخرى ادعت بوجود انبياء بعد المسيح مثل الادفنتست والمورمون الي جانب الكثير من البدع والتعاليم المنحرفة التي صاحبت ظهور هذه الطوائف والتي وصلت الي المئات في امريكا واوربا !
والملاحظ أن جميع هذه الحركات انشقت من البروتستانتية الأمريكية ( المشيخية ) . أيضا انحرفت كثير من طوائف البروتستانتية عن وصية الإنجيل حتى وجدنا أن الكنائس المشيخية الامريكية وايضا بعض كنائس أوربا تبيح بزواج الشذوذ وأيضا رسامة المرأة قس وأسقف كما حدث في الكنيسة اللوثرية في أوربا وامريكا ايضا !!
. ولأن الحركة البروتستانتية هي حركة تمرد على الكنيسة من البداية والاعتماد على الفكر الشخصي والذاتي بلا اي مرجع او خضوع للكنيسة الجامعة وآباءها انحرفت كما قلنا عن وصية الإنجيل ولأن مفهوم الكنيسة عند الحركة البروتستانتية يختلف بشكل كلي عن المفهوم عند الكنائس التقليدية الرسولية الابائية فالفرد في الكنائس التقليدية هو عضو من جسد الكنيسة والتي هي جسد المسيح هناك علاقة وترابط بل شركة بين أعضاء الكنيسة مرتبطين من خلال وحدة التعليم والإيمان والعقيدة وأيضا من خلال الأسرار المقدسة والتي بها يصير اي إنسان عضو في الكنيسة وجزء من جسد المسيح . يصوم مع الكنيسة يعتمد ويعترف ويتزوج ويتناول فيها فالكنيسة هي الحضن له من الميلاد الي الممات يعيش من خلالها حياة الشركة مع باقي اعضاء الجسد الواحد في وحدة كاملة وحدة في الايمان والعقيدة والفكر والمنهج والروح !
و لذلك واجهت الكنائس التقليدية عواصف من الاضطهاد والتطرف ومع ذلك بقيت وخرجت أقوى وأقوى لأن روح الله يعمل من خلال الأسرار التي هي حياة الشركة في الكنيسة . هذه العلاقة وهذا المفهوم لم يكن موجود في الكنائس البروتستانتية منذ النشأة فالمفهوم غير موجود وكل علاقة الفرد بكنيسة هي حضور اجتماع يتخلله بعض الترانيم الراقصة الانفعالات الجسدية النفسية بعيد عن أي عمق روحي حقيقي او شركة حقيقية واتحاد مع المسيح من خلال سر الافخارستيا او حياة الليتورجيا الكنسية عموما . والنتيجة هي حدوث ضمور في علاقة الفرد بالكنيسة هناك وأيضا حدوث حالة من الشوشرة وعدم وضوح المفهوم الحقيقي لوصية الإنجيل خصوصا مع وجود حالة من الذاتية والفكر الخاص في تفسير وفهم كل شى يخص الإيمان والوصية ! وهكذا بدأت العلاقة والترابط يضعف ومع طغيان تيار نادي لم تثبت الكنائس البروتستانتية وبدأ الإيمان يتراجع والإلحاد يظهر وينتشر وفي قرون قليلة وجدنا انتشار الإلحاد وتراجع الإيمان المسيحي خاصة في البلدان التي كانت منبع ومعقل البروتستانتية وبدأ دور الدين يتراجع وفرغت الكنائس من المؤمنين وتحولت الي متاحف وبدأ يحدث انهيار في مفهوم الوصية بل والمفاهيم الإنسانية حتى وجدنا مجتمعات تشيخ لعزوف الشباب عن الزواج وعدم وجود أجيال جديدة وبدأت شعوب هذه البلاد في الانقراض كما حدث في ألمانيا ويحدث في دول أخرى في أوربا . والملاحظ ان الدول التي تنتمي الي الكنائس البروتستانتية لم تصمد أمام الفكر الإلحادي طويلا في الوقت التي مازالت الدول التي بها كنائس أرثوذوكسية او تقليدية كنائسهم قوية ومترابطة ومازالت محتفظة بالإيمان القوي رغم عواصف الإلحاد والاضطهاد مثلما حدث في كنائس روسيا والتي واجهت حرب شرسة من الإلحاد والاضطهاد من اجل الإيمان استمرت حوالي ثلاثة وسبعين عام ودول شرق أوربا وآخرين ثم رجعت الي الإيمان مرة أخرى دول هذه الكنائس بشكل أفضل وايمان اقوي حاملة تاريخ يحمل الكثير والكثير من قصص الإيمان لشهداء ومعترفين واجهوا بطش الدولة التي حاربت بكل قوتها الإيمان المسيحي ودور الكنائس فيها !
وهكذا يتضح لنا من خلال التأريخ والجغرافيا والواقع هو عدم قدرة الحركة البروتستانتية على الحفاظ على وحدة الكنيسة او تسليم الإيمان تسليم صحيح وابضا تسببت في هذا الانهيار في علاقة المسيحي بكنيسته و بمفهوم الوصية مما أدى لما نراه اليوم من الحاد وغياب للدين في هذه الدول التي انهار فيها دور الدين وانهار حتى مفهوم الأسرة والمجتمع كله !
. هذه بعض الثمار المرة للحركة البروتستانتية في أوربا وأمريكا أما عن هذه الثمار المرة لهذه الحركة التي تسللت الي بلادنا وكنائسنا منذ حوالي منتصف القرن التاسع عشر هذا ما سوف نتحدث عنه المرة القادمة بنعمة المسيح .
__________________
عصام نسيم
___________________
عصام نسيم
http://orsoxozi.blogspot.com.eg/2016/07/blog-post_14.html