يشهد التاريخ المعاصر
ان النهضة التي شهدتها كنيستنا القبطية والتي بدأت مع بداية القرن العشرين وتجلت
وظهرت بعد النصف الأول من نفس القرن.
وقد استخدم الله في هذه
النهضة شخصان كانا يحملان صفات كثيرة متشابهة فكلاهما كان له نفس الغيرة المقدسة
والقلب الملتهب في خدمة الكنيسة وكان لهم نفس الحب والتقدير لكنيستهم القبطية
وكانا يحملان رؤية في نهضة الكنيسة ورفعتها لذلك وضعهما الله لكي يقودا الكنيسة في
تلك الفترة الصعبة
وهم البابا كيرلس
السادس والبابا شنودة الثالث والذي تحتفل الكنيسة في هذا الشهر بعيد نياحتهما هما
الاثنان .
الأول البابا كيرلس
السادس
هذا القديس الذي جاء
الي الكنيسة بترتيب إلهي بعد فترات صعبة بل ومريرة مرت بها كنيستنا القبطية,
اختارت القرعة الهيكلية الراهب مينا المتوحد ليكون البطريرك المائة والسادس عشر
ويعيد أمجاد الكنيسة القبطية ويضعها على المسار الصحيح والطريق الي النهضة . ورغم
ان البابا كيرلس لم يحصل على شهادات لاهوتية او لم يكن له وعظ كثير ولكنه كان يعلم
ويعظ بحياته وسلوكه وأفعاله حتى أصبح قدوة ومثل للشعب القبطي كله . فغد عاش البابا
كيرلس الرهبنة الحقيقية تتلمذ على أيدي آباء مباركين درس وعاش اقوال الآباء
واشهرهم كان ماراسحاق السرياني , كذلك توجد في المغارة عدة سنوات في دير البراموس
ثم في الطاحونة في مصر القديمة تعلم من خلوته الكثير وكانت فترات بركة ليس له فقط
بل لكثيرين تعلموا منه ولمسوا فيه الأبوة الحقيقية والعمق والخبرة الروحية وروح
الصلاة التي نقلها للكنيسة كلها !
. وكل هذه الخبرات
الروحية أعطته شخصية لها الخبرة والحكمة و الإفراز التي جعلته يقود الكنيسة بنجاح فب فترة
غاية الصعوبة ويواجه تحديات وحروب كثيرة من الداخل والخارج بنجاح كبير بل وأصبح اب
لكل الشعب القبطي يشعر بهم وبآلامهم واتعابهم.
قد حمل البابا كيرلس
الكنيسة في قلبه بكل مشاكلها وهمومها وكان يضع هذه المشاكل والهموم على المذبح
ليتدخل الله وبشكل اعجازي لحلها ! لقد كانت فترة حبرية البابا كيرلس فترة بركة
وخير للكنيسة بدأت فيها القداسات المتأخرة في جميع الكنائس أعاد صوم الأربعاء
والجمعة بعد ان أهمل فترة من الزمان و عرفنا بقوة الشفاعة بشكل عملي من خلال
صداقته بالشهيد مارمينا العجايبي , أقام أساقفة أمناء ومحبين للكنيسة والتعليم على
رأسهم الانبا شنودة و الانبا غريغوريوس وآخرين .
تحمل النقد والإهانة
والإساءة بقلب محب وقلب اب يحتمل جحود أبناءه ولم يكن ابدا يرد على أي اساءه لشخصه
فكثيرا ما شتم على صفحات الجرائد وكان يتجاهل كل ذلك ويكمل مسيرته في نهضة الكنيسة.
أحب الكنيسة والصلاة وشفاعة القديسين وكان قدوة للشعب الذي أحب أيضا الكنيسة. وهبه
الله عمل المعجزات الكثيرة وكان ابدا لا يفخر بهذه الموهبة بل كان ينسب كل عمل لله
ليعطى المجد لله. أعطاه الشعب القبطي لقب قديس حتى قبل اعتراف المجمع المقدس
بقداسته بسنبن عديدة . لقد كان البابا
كيرلس مثال للراعي الأمين والاب الحنون والقلب الكبير بذل حياته من أجل الكنيسة
وخدمتها لذلك أعطاه الرب كرامة في حياته وبعد انتقاله في قلوب جميع الاقباط.
ثم بعد انتقال هذا الأب
القديس أتى البابا الذي أكمل هذه المسيرة في نهضة الكنيسة القبطية أتى أبينا
البابا شنودة الثالث ليكون البطريرك المائة والسابع عشر ويجلس على كرسي مارمرقس
أكثر من أربعين عام ويصير من أكثر بطاركة الكنيسة جلوسا على كرسي مارمرقس. وأيضا
كان البابا شنودة إنسان له الحياة الروحية والخبرات التي جعلته شخصية منفردة فقد
وهبه الله الكثير من المواهب والتي استخدمها كلها في خدمة الكنيسة التي أحبها وقدم
حياته من أجل خدمتها ونهضتها وكالبابا كيرلس ترهبن وتتلمذ على أيدي آباء مباركين بل وسبق رهبنته انه تعلم
في الكلية الاكليركبة و تتلمذ على يد القديس حبيب جرجس بل وقام بالتدريس في
الاكليركية وخدم في مدارس الأحد سنوات عديده وكان خادم متميز عرفه الأقباط من خلال
عظاته النارية وكتاباته الروحية العميقة والتي تتلمذ عليها كثيرين
فقد كان خادم بقلب ناري
محب لكنيسته ويسعى بكل طاقته في نهضتها ويواجه بشدة وقوة كل تعليم غريب ومنحرف.
ثم بعد رهبنته أيضا
توحد في مغاره وحده لمدة ثماني سنوات ينهل فيها من تعاليم الاباء يتتلمذ على تعاليمهم
ويشيع بها مع الكتاب المقدس الذي أحبه ودرسه بطريقة جعلته يحفظ آياته بالرقم
والاصحاح. كل هذه الخبرات مع المواهب جعلت البابا شنودة الثالث بعد ان تختاره
العناية الإلهية ليكون بطريرك الكنيسة علامة فارقه في تاريخ الكنيسة وشخصية فريدة
كسبت احترام وحب الكل حتى من اختلفوا معه.
ولأنه كان محب لكنيسته
ودارس تعاليما وقارئ لابائها كان يقاوم كل تعليم غريب وكل صاحب فكر منحرف يتصدى
لفكره لم يكن يحتمل اي فكر غريب فكان يقوم بتفنيده والرد عليه . كان قوي في الحفاظ
على ايمان الكنيسة ضد اي فكر غريب كان صلب في التمسك بتنفيذ الإيمان وتعليم الكتاب
مهما كلفه الأمر . كان يشعر ان الرب ائتمنه على وديعة الإيمان فكأن هدفه الحفاظ
على هذه الوديعة الي النفس الأخير كان لا يفرط ابدا في حق الكنيسة في الوقت الذي
لم يهتم ابدا ان يطالب بحق له او يرد على إساءة او اهانه وجهت له . كان نموذج ومثل
وقدوة لذلك أعطاه الرب نعمة في عيون الجميع ومحبة ملأت قلوب الجميع .
وهكذا كان البابا كيرلس
والبابا شنودة علامة فارقه في تاريخ الكنيسة كمل الثاني ما بدأه الأول وكانت
فترتهم والتي امتدت لنصف قرن فترات بركة ونهضة وخير للكنيسة. نصلي الي الرب ان
يعطيها دائما خدام ورعاه أمناء يفصلون كلمة الرب باستقامة ويحافظوا على وديعة
الإيمان .. امين
عصام نسيم