تحميل الملف بصيغة pdf اضغط هنا
في كل عام وقبل الصوم الكبير يردد البعض ان اسبوع الاستعداد الذي نصومه قبل الاربعين المقدسة هو صوم هرقل وينادي البعض اننا لا يجب ان نصوم هذا الصوم كفارة عن قتل هرقل لليهود عند تحرير اورشليم من الفرس !
فهل حقيقة اسبوع الاستعداد هو اسبوع هرقل وهل نصوم الي اليوم كفارة عن ما اقترفه هرقل ضد اليهود ؟
يجب ان نوضح ان اهم كتاب ذكر هذا الامر وهاجم اسبوع الاستعداد وقال انه صوم هرقل هو كتاب – اصوامنا بين الماضي والحاضر – للقس كيرلس كيرلس وكان الكتاب يحمل منهج تشكيكي بل ونجد ان هذا المنهج هو منهج كاتب الكتاب لذلك نجد هذا الاسلوب التشكيكي في كتاب اخر اسمه القداسات الثلاثة وقد راجعه له جورج بباوي في طبعته الاولى عام 1982.
وسنورد هنا سريعا ما يقوله الكتاب ونطرح بعض الاسئلة التي توضح لنا زيف وضعف وعدم منطقية هذا الادعاء .
القصة كما جاءت في كتاب اصومنا بين الماضي والحاضر من ص 126
يقول ان القصة وردت في القطمارس الصوم الكبير الذي طبع في عهد البابا كيرلس الخامس 1922
تحت عنوان الاصوام الزائدة المستقرة في البيعة منها ما يجرى مجرى الصوم الكبير وهي جمعة هرقل التي صارت مقدمة للصوم الكبير وذلك انه لما رجع هرقل ملك الروم على بيت المقدس وجدها خرابا وقد هدم اليهود الكنئس والقبر المقدس فطلب منه اهل القدس ( المسحييين ) قتل اليهود فاعتذر لهم انه اعطاهم الامان والقسم فقالوا له ان اليهود احتالوا عليك في هذا الامان واما اليمين فنحن وجميع النصارى بكل الاقاليم نصم عنك اسبوعا في كل سنة على مر الايام الي انقضاء الدهر فامر هرقل بقتل اليهود فقتل منهم ما لا يحصى لا يعد ولم يبقى منهم الا من اختفى وهرب وكتب البطاركة والاساقفة الي جميع البلاد بصوم الاسبوع الاول من الصوم وكان في ذلك الوقت البطريرك اندرانيفوا ال 37 فاستبقى هذا الحكم في الكنيسة القبطية .
ثم يكمل الكاتب في كتاب اصومنا بين الماضي والحاضر ويقول :
[ هذا النص الذي اورده القطمارس يستند الي ما كتبه ابن بطريق 49 في كتاب نظم الجوهر ثم يذكر نفس القصة السابقة مع بعض الاضافات في القصة فيقول ان الرهبان واهل القدس قالوا له نحن نحتمل عنك هذا الذنب ونكر عنه ونسأل سيدنا يسوع المسيح الا يؤاخذك به ونجعل لك جمعة كاملة في بدء الصوم الكبير نصومها لك ونترك اكل اللحم ابدا ما دامت النصرانية ونجعل في هذا قانونا وحرما بالا يغير ويكتب به الي جميع الافاق غفرانا لجميع ما سألناك ان تفعل ففعل هرقل هذا فصيروا اول جمعه من الصوم الذي يترك فيه الملكية اكل اللحم فقط ليصوموا لهرقل غفرنا ونقضه العهد وقتله اليهود وكتبوا بذكل الي جميع الافاق ... فاهل بيت المقدس ومصر يصومنها صوما تاما وهم جامعة القبط واهل الشام والروم فانهم يتركون اللحم فقط ويأكلون ما سواه مثل ابيض والجبن والسمك !!!]
ثم يكمل الكاتب ان القصة اوردها بعض الكتاب من الاقباط في القرون الوسطى والذين كتبوا بالعربية مثل انبا ساويرس بن المقفع القرن 10 وجرجس بن المكين القرن 13 وابن كبر القرن 14 . .
وللرد نقول :
اولا نلاحظ ان المصدر الاول للقصة التي رددها بعده بعض الكتاب بغير تدقيق هو سعيد بن بطريق عام 877 - 940م وهو البطرك الملكاني للمسيحيين الملكانيين في مصر اي انه غير قبطي وكان لا يجيد اليونانية واول من كتب بالعربية وينقل من السريانية وبعد تعينيه بطريرك للروم تم تسميته باسم اوتيخيوس وذكر هذه القصة في كتابه نظم الجواهر وهو المصدر الاول ولم يذكر احد من المؤرخين قبله امر اسبوع هرقل هذا وقد نقل عنه كما ذكرنا بعض الكتاب الاقباط الذين كتبوا باللغة العربية ايضا وواضح انهم نقلوا القصة عنه دون فحص او تأكدمنها.! بل هو نفسه يتضح انه اورد القصة من مصدر اخر غير دقيق فالقصة بتفاصيلها غير منطقية ولا تتوافق مع تعاليم المسيحية .
ثانيا – القصة كما وردت في القطمارس الذي طبع عام 1922 في عهد البابا كيرلس الخامس اي في عهد حديث تذكر ان القصة حدثت في عهد البطريرك اندرانيقو ال 37 وهو الذي استبقى هذا الحكم في الكنيسة القبطية !
وبالطبع هذا الكلام غير دقيق تاريخيا فالبابا اندرونيكوس البطرك 37 والذي استمر على كرسي مارمرقس من عام 612 الي عام 616 م. وحسب ما جاء في كتاب تاريخ البطاركة الذي دونه ساويرس بن المقفع وهو من عاصر دخول الفرس الي مصر تقريبا عام 616 م في السنة السابعة لحكم هرقل وهرقل كان يضطهد الاقباط لانهم كانوا لا يعترفون بالمجمع الخلقدوني وكان هناك شبه عداء بين الروم والاقباط وقد ذاق الاقباط اشد الضيق والاضطهاد من الخلقدونيين منذ مجمع خلقدونية في القرن الخامس والي عهد البابا بنيامين البطريرك 38 ودخول العرب مصر !
ويذكر كتاب تاريخ البطاركة عن هذا البطريرك ان الهراطقة ( يقصد الخلقدونيين ) لم يقدروا ان يخرجونه خارج الاسكندرية كما كان تقدم لمن قبله ( البابا ال 36 ) بل جلس في قلايته في بيعة الانجيليون ايامه كلها .!!
وهذا النص يوضح لنا كيف كان يضطهد الملكيين بطاركة الاقباط ويطردونهم من كراسيهم !
وبعد ان عاش هذا البطريرك المعاناة والضيق من الاحتلال الفارسي تنيح بسلام عام 622 ويذكر كتاب تاريخ البطاركة ان هذا البطريرك تنيح قبل نهاية الاحتلال الفارسي بستة سنوات !
فكيف يكون هذا الاب البطريرك قد أمر بصوم هرقل وقد تنيح قل ان يحرر هرقل اورشليم من الاحتلال الفارسي بستة سنوات ؟؟!
ثم نأتي للبابا بنيامين ال 38 والذي عاصر تحرير هرقل لمصر واورشليم من الاحتلال الفارسي كان عانى الاضطاد المرير من الخلقدونيين ومن هرقل نفسه كما جاء في كتاب تاريخ البطاركة ايضا ويكفي ان اخوه مينا قد اشعلوا المشاعل في جنبه حتى سال شحمه وقلعت ضروسه واسنانه وذلك لاعترافه بالايمان الارثوذكسي وفي النهاية وضعوه في شوال رملا والقوه في البحر فغرق !
وقد هرب البابا بنيامين من الاضطهاد الخلقدوني وظل هاربا الي ان دخل العرب الي مصر ثم اعطاه عمرو بن العاص الامان فرجع الي كرسيه مرة اخرى !
فهل ممكن للبابا بنيامين ان يأمر بصوم مخالف لوصايا السيد المسيح وأيضا تعاليم المسيحية وهو الراهب الناسك الزاهد والامين في ايمانه حسب ما ورد في سيرته ؟!
ثالثا لم يذكر لنا كتاب اصوامنا بين الماضي والحاضر ولا حتى اي من الكتاب الاقباط الذين اوردوا هذه القصة المزعومة في القرون الوسطى في اي عهد وضع هذا الاسبوع؟!!
ففي كتاب اصومنا بين الماضي والحاضر في ص 131 يقول :
(( على الرغم من توجيه الرسائل الي الكنائس بامر الروم نجد ان الكنيسة القبطية لم تمارس صوم هذا الاسبوع حتى وهي تحت سلطان هرقل ولا بعد عهده ...اما من حيث ابراز القصة في الكتب الطقسية وفرض هذا الاسبوع في كتب الكنيسة فيرجع الي سلطة الحكام والاساقفة المكانيين الذين فرضتهم سلطات الحكم الروماني على الكنيسة القبطية وقاومهم الاقباط حتى الدم ! ))
وهنا نلاحظ كلام متناقض فكيف يقول الكاتب ان الصوم لم تمارسه كنيستنا القبطية في عهد هرقل ولا بعده ثم يعود ويقول ان ابراز القصة وفرض الاسبوع يرجع الي سطلة الحكام والاساقفة المكانيين ؟!
لقد انتهت سلطة الحكام البيزنطيين على مصر بعد هرقل ودخول العرب مصر ولم يكن للخلقدونيين وبطاركتهم الملكنيين نفوذ قوي مثلما كان في عهد هرقل وما قبله فان لم يفرض الاسبوع على الاقباط في عهد هرقل فهل يعقل او يقبل ان يكون فرض بعد ان اصبحت مصر ليست تحت سطلانهم ؟!
ايضا هل الاقباط اللذين رفضوا الرضوخ الي الخلقدونيين في اي امر ايماني وسفكوا دمائهم من اجل هذا التمسك يرضخون لصوم يفرض عليهم وهو صوم مخالف لتعاليم المسيحية كما اوضحنا ؟؟!!
كما سبق وقلنا مستحيل ان تكون وضعت في عهد البابا بنيامين 38 وهو الذي عاصر الحدث وهو اخر بطريرك عاصر النفوذ الخلقدوني في مصر ففي عهده انتهى الاحتلال البيزنطي لمصر بعد دخول العرب الي مصر وطردهم منها ! وكما اشرنا لم تورد في سيرته ابدا اي اشارة الي هذا الامر بل ومستحيل ان يكون هذا البطريرك قد امر بهذا الامر المخالف !
فان لم يكن البابا بنيامين فمن يكون ؟
فما الداعي والمبرر بعد ان انتهى ملك هرقل لمصر وانتهى الاضطهاد الخلقدوني والنفوذ البيزنطي لمصر ؟ ما المبرر الذي يجعل الاقباط يفرضون على انفسهم هذا الصوم ؟!
ان كتاب تاريخ البطاركة وهو اهم وثيقة تذكر لنا تاريخ الاباء البطاركة لم يذكر لنا اي شيء عن قصة اسبوع هرقل المزعوم ! ولم تورد في سيرة البابا بنيامين او غيره !
ايضا لم يذكر لنا اي كتاب تاريخ حتى من الذين اوردوا القصة في اي عهد او سنة او بطريرك وضع هذا الصوم ؟
ايضا يوضح الكتاب ان الروم لا يأكلون اللحم في هذا الاسبوع ولكن الاقباط يصومون صوما تاما !
فكيف يكون الروم وهم الذين اعطوا الوعد لهرقل يصومون صوم بهذا الشكل ثم يصوم الاقباط هذا الاسبوع بطقس الاربعين المقدسة ؟!!!
رابعا – لو فرض وكان قصة هذا الاسبوع حقيقة وقد صام الروم هذا الاسبوع تكفيرا عن ما فعله هرقل لم تكن الكنيسة القبطية وقت تحرير هرقل لاورشليم تحت سلطان او حكم الكنيسة البيزنطية ولم يكن يعنيها ابدا حنث هرقل لقسمه كما سبق واوضحنا فبالتالي لم يكن يعنيها باي شكل من الاشكال هذا الصوم ولكن لان الكنيسة القبطية تصوم منذ البدء هذا الاسبوع وهو امر خاص بها ككثير من الاصوام الموجودة في كنيستنا القبطية وغير موجودة في الكنائس الاخرى اختلط الامر عن بعض الكتاب الاقباط في القرون الوسطى واعتقدوا ان هذا الاسبوع هو اسبوع هرقل وطبعا نعرف ان في تلك الفترة كان هناك امور كثيرة تتردد غير دقيقة تاريخيا بل ان هناك بعض الأمور الخاصة بالعقيدة او بقوانين الكنسية كانت تكتب في هذه الكتب وهي غير سليمة لذلك نفهم لماذا اورد بعض الكتاب الاقباط هذه القصة نقلا عن سعيد بن بطريق الملكاني اول من ذكر هذه القصة !!
واخيرا اورد كتاب اصوامنا بين الماضي والحاضر في ص 135 ان هناك رحالة اسبانية تدعى ايثريا او ايجيرريا زارت مصر وفلطسين في الفترة ما بين 382 – 383 اي قبل هرقل بمائتين وخمسين سنه وكتبت عن طقس كنائس اورشليم وقالت يحفظون الصوم ثمانية اسابيع قبل الفصح والسبب في الاسابيع الثمانية واضح فهم لا يصومون يوم الرب ولا يوم السبت ومن اورشليم انتقلت هذه الممارسة الي بلاد العالم كله بما فيها مصر .!!
ورغم ان الكاتب يشكك كعادته في امر صوم السبوت ولكن يبقى ما ذكرته هذه المؤرخة دليل على ان هناك كنائس مدة الصوم الكبير فيها ثمانية اسابيع بعيد عن هرقل واسبوعه المزعوم !!!
ايضا القراءات الكنسية لاسبوع الاستعداد والتي تبدأ بأحد الرفاع بصلوات خاصة وقراءات لهذا الاسبوع وهي جزء لا يتجزء من قراءات وصلوات باقي اسابيع الصوم المقدس .
وجدير بالذكر ان المجمع المقدس في جلسة 1/6/2006 قد اوصى بحذف عبارة ان الاسبوع الاول هو اسبوع هرقل لعدم صحته بالنسبة لتعاليم الكنيسة القبطية وذلك في مقدمة قطمارس الصوم الكبير .!
وفي النهاية يجب ان نثق في كنيستنا وما تسلمته ولا نصدق المشككين الذين يشككون في كل شيء اليوم فكنيستنا كنيسة قوية راسخة عاشت الفي عام بما تسلمته حافظت على وديعة الايمان وتحملت من اجل هذا الدم والاضطهاد لقرون طويلة ! ولا نسمح لاحد ان يشككنا في كنيستنا وعقيدتها وطقسها .
ومن له اذنان للسمع فليسمع .
عصام نسيم
المراجع
كتاب اصوامنا بين الماضي والحاضر القس كيرلس كيرلس
كتاب تاريخ البطاركة الجزء الاول اعداد وتحقيق عبد العزيز جمال الدين
كتاب تاريخ البطاركة جزء اول الانبا صموئيل اسقف شبين القناطر وتوابعها .
كتاب القرارات المجمعية في عهد قداسة البابا شنودة الثالث
بعض مواقع الانترنت