مرة أخرى في سبيل أن يثبت دكتور اليوناني وجهة نظره في إثبات إنكار عقيدة وراثة الخطية في كنيستنا يستشهد بقول للبابا كيرلس يدعي أنه ينكر وراثة الخطية .
وقد سبق وقمنا بالرد على هذا الأدعاء منذ حوالي عام ونعيد نشر ما قاله البابا كيرلس في عقيدة وراثة الخطية في رسالة عيد القيامة له والتي نشرت في عام ١٩٦٠ م
ملحوظة هامة
في هذا المقال يؤكد البابا كيرلس على عقائد أخرى مثل الموت الكفاري بالصليب دفع ثمن الخطية شروط الفادي والمخلص والترضية المطلوبة ولا محدودية الخطية وأمور أخرى ربما لا يقبلها من يقتبس قول مقطوع للبابا كيرلس !!!!
وها هو جزء كبير من رسالة البابا كيرلس وليس مقطع من سطور يتضح منه ايمان وعقيدة البابا كيرلس السادس :
إن قضية الفداء أو الخلاص هى محور إيماننا ونقطة الارتكاز فى ديانتنا, بدونها لا نفهم السبب الذى من أجله تجسد ابن الله لأن مسيح الله قد جاء من السماء خصيصاً لهذة المهمة التى لم يكن ممكنا لغيره أن يقوم بها.
فالخطيئة التى أخطأها آدم كانت عظيمة بهذا القدر حتى أن نبياً أو قديساً أو رسولاً لم يكن فى مقدوره أن يكفر وفاء للعدل الإلهى الذى حكم بالموت على آدم. ونحن نعلم أن الخطأ تقاس فداحته بمقام الذى أسىء إليه لا بمقام الذى أساء. وهكذا يقتضى العدل أن يكون وفاؤه فى شخص غير محدود ليرد حق الله غير المحدود الذى أسىء إليه بمعصية آدم. لذلك لم يكن فى سلطان ملاك أو قديس أن يقوم بعمل الكفارة وتغطية الخطأ الجسيم الذى وقع فيه الإنسان الأول لأن المخلوق المحدود لا يكفر عن خطأ غير محدود.
وليس بخاف عليكم _ يا أخوتى وأبنائى _ أن الله كلى العدالة كما أنه كلى الرحمة وعلى ذلك فلا معنى للظن أن التوبة من جانب الإنسان كافية لترضية العدل الإلهى. أن الله يغفر ولكن ليس من دون شرط والذى يزعم غير هذا مخطىء كل الخطأ. وكأن الخطيئة أمر هين وكأن الله يساء إليه دائما وهو يغفر دائما من غير قيد !! أى زعم هذا الذى يبنى على غير معرفة بطبيعة الله وحقيقة صفاته؟ أنه رأى ينطوى على فهم خاطىء واستهتار بالقدوس الكامل الذى يتطلب من المؤمنين أن يكونوا كاملين كما أنه هو كامل (مت 5: 48) _ وأن يكونوا نظيره قديسين فى كل سيرة (1بط 1: 15).
ولو كان الله يغفر من دون ترضية كافية لما رسم فى شريعة العهد القديم أن يقدم الناس ذبائح عن خطاياهم. ولم تكن الذبائح الدموية كافية فى ذاتها للترضية لكنها بينة على الطاعة للشريعة. ولم يتم بتلك الذبائح غفران حقيقى _ لأن الغفران الحقيقى كان مؤجلاً إلى أن يأتى الوسيط الحقيقى وهو المسيح الفادى الذى ليس بغيره الخلاص (أع 4: 12). وهو الذى جمع فى شخصه وطبيعته انسانية آدم ولاهوت ابن الله. وجمع المسىء والمساء إليه معا وصالح الإنسان مع الله بأن قدم فى ناسوته الترضية التى يتطلبها العدل الإلهى حتى يغفر للإنسان ذنبه الذى عصى به وصية الله.
وإذن لقد جاء المسيح من السماء من أجل أن يصلب فتتم بصلبه الترضية المطلوبة ويعفى العدل الإلهى وتغفر الخطيئة الأولى التى أخطأها أبونا آدم الأول. قال السيد المسيح "الكاس التى أعطانى الآب ألا أشربها" (يو 18: 11) وهو يعنى كأس الصليب. وقال مرة أخرى "أيها الآب نجنى من هذة الساعة ولكن لأجل هذا آتيت إلى هذة الساعة" (يو 12: 27). وكان دائماً يقول "أنه ينبغى لابن البشر أن يتألم كثيراً ويرذل من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل ويقوم بعد ثلاثة أيام" (مر 8: 31, لو 9: 22).
وإذن فالصليب ضرورة. وموت ابن الله بناسوته أمر لا مفر منه لخلاص الإنسان من حكم الموت ولنجاته من سلطان الجحيم الذى ينتظره جزاء وفاقا على جريمته. فبالصليب تمت الكفارة ودفع الثمن المستحق وأشترى الإنسان من جديد فأنعتق من دائرة الشيطان الذى كان قد اقتنصه لإرادته (2 تى 2 : 26).
على أن الخطأ الذى وقع فيه آدم قد شمل كل جنسنا ذلك أن آدم كان أبا للجنس البشرى ونائبا عنه. وفى آدم أخطأ الجميع. قال الوحى "بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة الموت" وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس بالذى جميعهم خطئوا فيه" (رو 5: 12). وعلى ذلك فلم تكن خطيئة آدم مجرد خطيئة شخصية ولكن الجنس البشرى كله قد سقط فى آدم.
كان آدم يتمتع بميزات كثيرة عالية على الطبيعة. كان يتمتع بالصلاح والقداسة والطهارة والبراءة. وكان ينعم بسمو الفكر ودقة الفهم وسعة الإدراك وصفاء الذهن وقوة النفس وكان يمتلك السيادة والقدرة على نفسه وعلى الطبيعة فى شتى مظاهرها ومرافقها وكان أيضا يعمل بلا تعب ولا مشقة ولا فشل كما كان عاليا على الضعف والمرض والموت وبالإجمال كانت له عطايا كثيرة فوق الطبيعة وقد فقدها جميعا بسقطته _ فانحطت نفسه وأظلم عقله وملكت على قلبه الشهوات والميول والانعطافات الجسدية والمادية ودب إليه الضعف والإنحلال والمرض والموت نفساً وجسداً.
وقد ورث الجنس البشرى كله حالة آدم بعد السقوط لأن الجنس البشرى قد ولد من آدم بعد أن سقط وطرد من الجنة وسقطت عنه كل المواهب العالية على الطبيعة التى كان يتمتع بها الإنسان قبل سقوطه.
هذة الوراثة مسألة طبيعية وهى واضحة فى مملكة الناس: فمن يحبل به من والدين فى حالة مرضهما الوراثى يرث حالهما عن ولادته ولا يستطيع أن يفلت من تبعات هذة الحالة ومقتضياتها لأنه ولد فيها.
ولعل الدليل الدامغ على أننا ورثنا حالة آدم الأول التى صار اليها بعد السقوط هو أننا نعيش الآن لا فى جنة عدن بل فى أرض الشقاء نأكل خبزنا بعرق جبيننا _ ولازالت المرأة تلد بالأوجاع أولادا. ومن من الناس يقوى على مغالطة نفسه حتى ينكر هذة الحقيقة الواقعة؟
ولقد ينظر بعض الناس إلى عقيدة الخطيئة الأولى أو الخطيئة الأصلية بنظرة قاتمة. ولكن فى هذا هروب من الواقع وإنكار لحقيقة واضحة تنطق بها أفواه الناس وتصرفاتهم فى كل يوم بل فى كل لحظة من لحظات وجودهم "إذا الجميع قد خطئوا فيعوزهم مجد الله" (رو 3: 23). وقد جاهر مار بولس بالقول "فإنى أرتضى ناموس الله بحسب الإنسان الباطن لكنى أرى ناموسا آخر فى أعضائى يحارب ناموس روحى ويأسرنى تحت ناموس الخطيئة فى أعضائى" (رو 7: 22, 23).
*مرفق صورة بوست دكتور اليوناني
*مرفق صورة من مقال لبابا كيرلس كاملا من جريدة وطني .
----------------
#عصام_نسيم